ولد مبارك هوادف في 22/03/1930 ببلدة نقاوس من أبوين كريمين هما السيد خضراوي ، والسيدة ياقوت بنت محمود شتمي ، نشأ وترعرع بين أحضان طبيعة خلابة في منطقة الملاح من ريف نقاوس قريبا من ضيعة المعمر " قيون " التي آلت كملك للأسرة بعد ابتياعها منه بعقود موثقة فأصبحت هذه الأخيرة مرتعا لأحلام الصبا نظرا لتنوع أشجارها وأختلاف صنوف ثمارها ، وتدفق مياه ينابيعها وما إن بلغ الصبي مبارك الخامسة حتى أدخله والده كتاب شيخ المقرئين الهاشمي رحمون قريبا من حي القطارة العريق ، وزامله في حفظ كتاب الله نجل الشيخ الأوسط في ترتيب أولاده الصديق رحمون الذي رافقه إلى مدرسة الأهالي بعد أن حفظا ما تيسر لهما من القرآن الكريم في هذه المدرسة الواقعة يومئذ قرب مرج عبد القادر بوعتورة ، أو ما تسمى فيما بعد ثكنة ( الساتيام ترايور ) التابعة لجيش الإحتلال الفرنسي نال قسطا من التعليم الإبتدائي الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال القسم النهائي أو السابعة ابتدائي حسب التعليمات الرسمية لتعليم الأنديجان .
وبعد النهاية المبكرة للمسار الدراسي ، أضطر لمساعدة والده في فلاحة الأرض إلا أن إقامته في بلدته لم تتجاوز سن المراهقة ، أين قادته الأقدار إلى العاصمة ليقيم بنهج الزغاطشة رقم 19 من أعالي حي بلكور ، وهو مكان إعتاد أبناء نقاوس الأقامة فيه عند حلولهم بالعاصمة لإستئناسهم بساكنيه الذين كان أغلبهم من منطقة نقاوس ، ولعلنا نذكر من بينهم المجاهد الرسام العالمي الفنان عبد القادر هوامل الذي توفي أخيرا بروما كما أستشهد به أحد أبناء نقاوس البرارة عمار سواكري ، وأصيب آخر مازال على قيد الحياة المجاهد لحول محمد بفعل إلقاء أزلام المنظمة السرية ( O.A.S) قنبلة يدوية على مقر مأواهم هناك .
وأثناء إقامة الفتى لمبارك في هذا الحي كان له أتصال بأبرز مناضلي حزب الشعب، وهو أحمد بودة ، مع مناضلين آخرين كحميتي محمد هذين الآخيرين اللذين زج بهما في سجن قصر الشلالة في أعقاب مظاهرات 1945 أما هو فقد ألقي عليه القبض بشبهة الإنتماء إلى حزب مصالي الحاج المذكور بعد مظاهرات 8 ماي 1945م ، واقتيد إلى سجن البرواڨية ليمكث فيه عاما كاملا ، وبعد إطلاق سراحه سنة 1946 م واصل نضاله السري تحت لواء لمنظمة السرية ، وبعد إندلاع ثورة نوفمبر 1954م ، كان مهيئا للإنخراط في الثورة التحريرية رفقة اللاوي الذي ألقي عليه القبض سنة 1956 و استشهد سنة 1957 أما لخضر فركوس، ومحمد مهني فقد أدخلا سجن السركاجي .
وبعد هذه التطورات المتلاحقة إضطر إلى الفرار من العاصمة رفقة واحد من أبناء المنطقة المشتبه فيهم ، وهو المناضل حمنة درياس الذي أنضم بمجرد وصوله إلى البلدة الى جيش التحرير الوطني في الولاية الأولى المنطقة الأولى الناحية الرابعة القسمة الثانية ،وبالمناسبة صدرت ضد المناضل مبارك مذكرة متابعة وتوقيف ، فأتصل على إثرها مباشرة كزميله حمنة أي سنة 1956م بالمنطقة الأولى بسياسي المنطقة مسعود عبيد ، ومصطفى بن النوي ، مسؤولي المنطقة ، تحت إشراف المسؤول الولائي الحاج لخضر ، فكان أن أمر من طرف المعنيين بالقيام بعملية فدائية لتأكيد نيته الفعلية بالإنخراط في الثورة التحريرية المباركة ، وفعلا تم قبوله في صفوف الثوار بعد تنفيذ عملية بطولية قام فيها بتصفية أحد عملاء فرنسا يومئذ ببلدة نقاوس ، وعاد إلى قواعده سالما غانما ، وكانت العملية الفدائية الجريئة بمثابة تزكية له كمجاهد ، وحافزا لمواصلة طريق الكفاح التي وطن نفسه عليها منذ أن كان مناضلا في حزب الشعب في العقد الرابع من القرن العشرين، غير أنه بعد هذه العملية الإستثنائية أصيب بوعكة صحية شديدة أجبرته بعد استشارة الأطباء إلى دخول مستشفى سطيف الذي مكث فيه 12 يوما بعد إجراء عملية جراحية دقيقة ، وتحت أسم مستعار من تدبير أخوين مجاهدين مسبلين من ناحية سطيف هما العربي زجاج ولخضر زجاج لأنه لو اكتشف أمره فإن مصيره المحتوم هو الإعدام قطعا.
وبعد معافاته من المرض الذي ألم به عاد لقضاء فترة النقاهة ببلدته نقاوس إلا أن إدارة الاحتلال كانت قد توصلت بوشاية خسيسة من أحد أعوانها في البلدة حسب ما رصدته مراكز الحراسة بنقاوس ( بعين المسوقين ، ومزرعة قيو سابقا ، وذراع بن شطية ، والدحامنة) أن تحركات العدو في المنطقة نم على أنها تبيت لأمر ما ، وهذا ما تأكد من ملاحظة رفيق دربه المسبل الصديق رحمون من خلية استعلامات جيش التحرير الوطني الذي حثه على ترك المكان ، والاحتماء بجبل القصبات ، وفعلا صدقت الاحترازات ، وداهمت قوة العدو مسكن العائلة في إحدى الليالي لكن المجاهد المبارك كان قد غادر المكان في الوقت المناسب ، غير أن بعضا من أفراد العائلة حملوا جريرة ذلك ، فاعتقل على الفور أخوه المناضل لحسن واقتيد إلى المعتقل ، وتعرضت والدته لعنف جسدي ، وضرب مبرح من طرف أزلام جيش الإحتلال ، في الوقت الذي التحق فيه المجاهد مبارك بأحد أخوته في الكفاح المسلح حمنة درياس بجبل القصبات الذي عمل على ضمه إلى الكتيبة الثانية التي يقودها موسى حليس بتاريخ 5 مارس 1956م في المنطقة الأولى الولاية الأولى الناحية الرابعة ، ومنها شارك في جبل بوطالب ،وفي شهر رمضان الموافق لشتاء 1957م في معركة حامية الوطيس ، حيث حاصرت قوات العدو كتيبة من الولاية الرابعة قادمة من تونس قوامها 110مجاهدا في حين قدرت قوات العدو التي تدعمها طائرات من طراز 29 بحوالي 2000جندي ، وكانت في حينها مجموعة من المجاهدين يقودها أحمد لاندوشين من المنطقة تراقب الوضع عن كثب من ضمنهم المجاهد لمبارك ، هدفها فك الحصار عن الكتيبة المذكورة باستعمال كلمة السر بين الطرفين ( القمح والشعير ) ، وبعد عبور الكتيبة إلى مأمنها كمنت مجموعة المجاهدين المذكورة المتخندقة في المكان منتظرة اقتراب قوات العدو من مرمى نيرانها حتى تكون لقمة سائغة لرصاص أبطالها ، واحتكم المجاهدون في الحين للغة السلاح بإطلاق كثيف لنيران بنادقهم نحو جيش الإحتلال ، واستمرت المعركة دون توقف من الساعة العاشرة حتى الخامسة والنصف مساءًا وبعد أن ارحى الظلام سدوله على المكان ، وكانت نتيجة المعركة الحاسمة في هذا اليوم الطويل غنم 40 قطعة سلاح من نوع ( ماص 36، و 49) وعددا من الرشاشات المختلفة الأنواع في ساحتها ارتقى شهيدان إلى العلياء ، كما أصيب المجاهد لمبارك بجروح في رجله اليمنى تلقى جراءها علاجا مكثفا ،فاضطرته الإصابة إلى مواصلة الجهاد لكن ضمن فرقة التموين ثم مهمة حراسة مستشفيات جيش التحرير مزاملا في العملية الدقيقة المجاهد مختار سليماني ابن بلدته وكذا صديقه الحميم حسن وقواق ، وفي أواخر ثورة التحرير المباركة اقترن بالمجاهدة السيدة مهلل أصيلة بلدة بريكة، وبعد استقلال البلاد آثر المساهمة في معركة البناء والتشييد ، وأختار الإلتحاق بالقطاع الصحي كسائق سيارة الإسعاف في خدمة المرضى ، وأنهى مساره النضالي والجهادي ، والوظيفي ممتهنا فلاحة الأرض ، وهي المهنة التي أحبها أسلافه في البلدة ، مؤثرا عليها العمل الخيري ، والسعي في حوائج الناس من خدمات اجتماعية كأصلاح ذات البين ، والمساهمة في المشاريع الخيرية رفقة رفاق النضال ، والجهاد من أعيان البلدة كالمجاهدين مبروك معامير وساعد معامير ، والممرضين المخضرمين المجاهدين مبروك بوعتورة ، وجمعي شاوي ، وغيرهم من الفضلاء ، حتى وافاه الأجل المحتوم عصر الثاني مايو 2006 بعد آدائه الصلاة المفروضة رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
بقلم الأستاذ / معامير فاروق
جمع المعلومات / أسامة هوادف
يمكنك عزيزي الزائر وضع تعليقاتك واقتراحاتك معنا فتفضل مشكورا على المتابعة